السبت، 22 أكتوبر 2011

تحرق البيت لكى ترى دبوسا

اخر ما كتبة عملاق الفلسفة والصحافة والادب 
الاستاذ/ انيس منصور 


على مدى سنوات طويلة .. كان عملاق الفلسفة والصحافة والأدب ضيفاً دائماً على صفحات مجلة الشباب ، وذلك من خلال مقال كان بمثابة النافذة التى لم يغب نهائياً عن التواصل من خلالها مع قراء " الشباب " .. وحتى عدد شهر أكتوبر ظل التواصل دائماً بين الأستاذ أنيس وعشاق كتاباته عبر المجلة .. وفى السطور القادمة ننشر أخر مقال كتبه الأستاذ أنيس منصور رحمه الله .
                                 








































هل هي حالة حرب؟ هل هي حالة سلام؟ !
هل هي استعدادات مستمرة لأن يكون شيء ما لا هو حرب ولا هو سلم .. في الخناقات بين الأزواج يكتشف كل واحد منهم الآخر تماما , كما تهز الاناء فتظهر الرواسب ... أو كما يحدث أثناء الحرب , فالقنابل التي تنفجر تضيء قبل انفجارها , فتنكشف الأشياء لحظات قبل أن تتحطم ... ولكنه ثمن فادح جدا أن يكون انفجار القنابل هو الوسيلة الوحيدة لأن يري الناس بعضهم بعضا .. ولكن هذا يحدث بين الأزواج في لحظات التوتر الشديد .
في إحدي قصص سومرست موم يقول الكاتب الانجليزي العظيم إن جماعة من اللصوص اختبأوا في أحد البيوت ... وكان الجو باردا .. وكان علي واحد أن يخلع بعض ملابسه ويعطيها للأصغر سنا ... ولكن الكبير بدأ يرتجف من البرد ... ولم يشأ الصغير أن يعيد إليه ملابسه ... وتشاجرا وتعالت الأصوات .. ولكن يا روحي ما بعدك روح !
ولم يجد الكبير الذي شعر بالبرد الشديد إلا أن يشعل أخشاب البيت ... واهتدي إلي أن اللوحات الفنية النادرة المرسومة بالزيت هي أسرع الأشياء اشتعالا , ومد يده إلي واحدة منها ... فصرخ الشاب قائلا : يا مجنون ... لقد جئنا لسرقة هذه اللوحة ... إن ثمنها نصف مليون جنيه علي الأقل ... انها مستقبلنا جميعا !.
ولكن الرجل الكبير أصر علي إحراقها ... فما كان من الشاب إلا أن خلع الجاكتة وأعطاها للرجل الكبير الذي يرتجف من البرد ... وبدأ الشاب يرتجف من البرد هو الآخر ..
وكانت الغرفة خالية تماما ... إلا من هذه اللوحة ... أما أرضية الغرفة فمن البلاط ... وأما جدرانها فمن الطوب .. فلم يكن أمامهما إلا خلع الباب , وهو ثقيل جدا واشعال النار فيه , وفي الوقت نفسه يحاولان معا ألا تشتعل النار فتضيء الغرفة , فيراهم الناس في الشارع .
ولكن فجأة اشتعل الباب ... فهو أيضا مغطي بطبقة من الزيت .. وامسكت النار في الغرفة الأخري للباب .. وقد أدي الدخان المتصاعد إلي اختناق اللصين .. وسقوطهما علي الأرض .. ليدخل البوليس وينقذ اللوحة في آخر لحظة , أما اللصان فقد ماتا !.
ففي الحياة الزوجية يحاول كل من الزوجين أن يري الآخر ... أو يكشفه أو يفضحه أو يضبطه متلبسا , ولابد من اشعال النار لكي يري أحدهما الآخر علي ضوئها ... ويكون الثمن فادحا ... ولكن حب الاستطلاع عند المرأة أقوي .. وهي من أجل أن تعرف بنفسها ... بعينها وبأذنيها علي استعداد لأن تخسر قضيتها ... وتحرق البيت كله من أجل أن تري دبوسا توهمت أنه هدية من امرأة أخري ! ولذلك , فهي تجعل المشاجرة تسخن وتشتعل ... ويصبح الدخان خانقا ــ لا يهم ــ فإنها تريد أن تعرف .. مثل هذا الحوار يدور بين المحبين أو بين الأزواج :
هي : طبعا قابلتها ...
هو : انها بنت خالتي ..
هي : لقد كانت بنت خالتك طوال عمرها ..
واشمعني هذه الأيام .. ماذا حدث لكي تلتقي بها في أسبوع واحد ثلاث مرات .. ما هو الحديث المستعجل جدا والضروري جدا لكي تقف معها أمام الاسانسير ... ثم أمام السيارة ثم تفتح لها الباب لتجلس إلي جوارك وتكملا الحديث السعيد ... طبعا لا شيء إلا أنك تشكو لها من حياتك الزوجية , وتقول لها طبعا : لو كنت تزوجتك أنت أليس أفضل؟ ... وطبعا هي التي ستقول لك : إنها ضحكت عليك ... أي أنا ضحكت عليك وأكلت بعقلك حلاوة ... وطبعا هي سعيدة جدا لتعاستك الزوجية .. ولابد أنها قد زودتك ببعض النصائح الغالية ... ومن أوليات هذه النصائح أن تجيء إلي البيت ضاربا بوزا داخلا وخارجا؟ ! أريد أن أعرف آخرتها ... هل أترك البيت؟ أنا مستعدة؟ هل أترك لك الأولاد أنا مستعدة .. أي شيء يريحك !
هو : إيه ده .. إيه ده ما هذا الذي قلت وحكيت ورويت ... وهل كنت معنا؟
هي : هل تظن أنني نائمة علي وداني ... لا يا دكتور .. أنا لحمي مر ... شديد المرارة !.
هو : لحمك؟ انت عندك لحم؟ !
هي : نعم ! نعم ! لو أردت أن أكون تخينة مثل بنت خالتك لفعلت ذلك في أسبوع واحد .. ولكن لا أريد أن أكون بهذا المنظر الفظيع ... وهل لأنها تخينة ملظلظة أعجبتك ... ألم تقل في أول حياتنا الزوجية إن الوزن المثالي هو وزني .. والطول المثالي ... هو طولي والآن غيرت رأيك .. أصبحت كخة .. والله يا سيدي إن لم يعجبك هذا , فلا أزال أعجب أناسا كثيرين .... وعلي الأقل سوف يقدرونني أكثر !
هو : وبعدين؟
هي : ولا قبلين ... نطلق !
هو : يا مجنونة !
هي : تبكي ماليش قعاد في البيت ده ...
هو : يا مجنونة ... يا عبيطة !
ولا يحدث طلاق وإنما مصالحة وعودة العلاقات التي كادت تنقطع لأن الزوجة أشعلت النار لتري زوجها أو حبيبها علي ضوئها ... وقصدها أن تكشفه ... أن تفضحه ... أن تعرفه أكثر ... أن تكسر أنفه ... أو تكسر غروره ... ثم ينكسر شيء آخر ... وفي النهاية تصبح العلاقة بينهما أنقاضا ... وفي هذه الحالة لا تنفع المناقشة ... ولا تجدي الخناقة ... وإذا اشتعلت النيران بينهما بعد ذلك فعلي اثنين يتفرجان علي التليفزيون والا يدور بينهما كلام من سنوات طويلة !.
سؤال : هل من المعقول أن المرأة تحب أن تري زوجها ضعيفا ... وتري أن هذا الضعف يثير شفقتها ... ويجعل لها دورا مهما في حياته ... دور الأم .. أو الممرضة الأقوي التي تعطي وتتحكم؟ .
هل المرأة تفضل الرجل القوي الذي ليس به نقطة ضعف ... أي الرجل الذي ليس في حاجة إليها ... أي أن وجودها زي عدمه ... فلا دور لها في حياته ... ولا تستطيع أن تضيف شيئا أو تعطيه شيئا ... وأنه في حالة اكتفاء ذاتي ... وأنه يستطيع أن يعيش من غيرها ... وأنها مثل أي واحدة أخري .. وأنها جاءت أو خرجت أو عاشت أو ماتت كأنها لا شيء ...
عندما تطلب المرأة إلي الرجل أن يتحدث عن نفسه ... عن أحواله : عن بابا وماما وجميع الذين اشتركوا في إيجاده في هذه الدنيا , فلأنها تريد أن تعرفه تماما ... لأنها تريده أيضا أن يعرفها تماما ... أن يتعري أمامها وتتعري هي أمامه ... فلا يكون بينهما شيء واحد مجهول ... والمرأة لا تنسي كل الذي قاله الرجل ... وان كان الرجل ينسي ... والمرأة تسجل عليه كل الذي قال ... وإذا في يوم من الأيام قال لها كلمة مجاملة , فسوف تبقي هذه الكلمة منقوشة في دماغها , وسوف تخرجها عند اللزوم ... والرجل يقول ويقول .. والكلام يمحو بعضه بعضا , ولكن المرأة تجتر هذا الكلام وترتبه ترتيبا دقيقا ... والرجل يندهش كيف أنها تسترد وتستعيد هذا الكلام بمنتهي الدقة في أي وقت .. انها لا تنسي !.
ومعلوماتها عن الرجل هي سلاحها ضد الرجل ... وهي بارعة في استخدام هذا السلاح .. وهذا السلاح تخرجه من حقيبتها , وهي تأكل , ومن تحت المخدة , وهي إلي جواره .. وكل شيء في البيت , وفي الشارع , وفي الصحف يذكرها بما قاله لها الزوج !.
والمرأة تفضل الرجل القوي ... القادر علي حمايتها ... الذي تتطلع إليه البنات الأخريات , ولكن هي التي تفوز به .. الرجل الذي يشخط وينطر ... الذي هو مصدر القوة والحماية , والذي له رأي , وله قرار وتتمسك به ... ولا تحب الرجل الشخشيخة ــ أي الذي في يدها مثل حقيبتها ... تعال هنا .. يجيء ... اذهب هناك ... يذهب ... لا رأي له ولا موقف !
هذا الرجل يريح المرأة , ولكنها لا تحترمه ... انها تكره ضعف الرجل ... وان كانت تحب ضعفها هي أمامه ... إنها تحب الرجل الذي يجعلها ضعيفة ... ويجعلها تحس انها في حاجة إليه .. وإنها من غيره ولا حاجة ...
وعندما يضعف الرجل القوي تكون الزوجة سعيدة .. لأنه قد ضعف .. قد انهد حيله .. لأن أنفه قد انكسر .. ولأنه محتاج إليها .. ويسعدها ذلك ..
***
هناك نقط ضعف أخري في الرجال تضيق بها النساء ...
مثلا : الرجل الذي يقارن دائما بين زوجته وأمه .. طبيخ أمه ... وهدوء أمه ... حلاوة أمه .. أحضان أمه ... عطف أمه الذي بلا ثمن وبلا حدود ....
أي أنه يريد أن يظل في حضن أمه ... وأن تستأنف زوجته دور الأم .. أي أن يظل طفلا لزوجته ... لا بأس ... ولكن الزوجة لا تريد أن تكون زوجة لطفل ... وأن تقوم هي بدور حماتها ... هي تريد أن تكون زوجة لرجل ... هذا الرجل يري أن زوجته مرحلة متطورة لأمه ... بل إنها أفضل .. وفي الوقت نفسه لا تريده أن يقارن بينها وبين أمه .. فهذه المقارنة معناها أنها أقل من الأم ..
بصراحة المرأة لا تحب الرجل الذي هو ابن أمه .
والأم لا تحب الولد الذي هو ابن زوجته أو خادم لها .. أو ظل لها ..
***
وعند الإغريق بطل اسمه أخيل هذا البطل جسمه لا تنفذ منه السهام ... فعندما ولد غمسته أمه في أحد الأنهار المقدسة ... وكل مكان لمسه الماء صار منيعا .. ولكن لأن الأم أمسكت طفلها من كعب قدمه ... فالماء لم يصل إلي الكعب ... وهذه هي نقطة الضعف الوحيدة في كل جسمه ... فإذا أراد أحد قتله فلابد أن يصيبه في كعبه !.
ولذلك فنقطة الضعف عند أي إنسان اسمها : كعب أخيل !!
والمرأة الذكية هي التي تعرف نقطة الضعف فتضغط عليها من حين إلي حين ... ولكن لا توسعها , ولا تطلق عليها السهام .. سهامها .. أو سهام الآخرين .. فالسعداء فقط هم الذين لهم نقطة ضعف واحدة .. ولكن ما أكثر نقاط الضعف عند الجميع !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق